تحليلات ومقالات

أحمد متولي يكتب .. نحو مرحلة ثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي

الخبير المصرفي الدكتور
الخبير المصرفي الدكتور أحمد متولي

يمر العالم خلال الفترة الحالية بالعديد من الأزمات الصحية والاقتصادية والسياسية بداية من جائحة كورونا مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية، نقص سلاسل الإمداد، ارتفاع معدلات التضخم، ارتفاع تكلفة التمويل، وارتفاع أسعار الفائدة وهروب الاستثمارات من الأسواق الناشئة، ويذكر أن البنك المركزي المصري لم يكن بمعزل عن تطورات هذه الازمات.

 

تبنت مصر والبنك المركزي المصري العديد من السياسات الرشيدة وبرامج الإصلاح منذ التسعينيات، والتي كان اخرها برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى تم تنفيذه منذ عام 2016 والذى كان له العديد من الإيجابيات في مواجهة الأزمات الحالية والحفاظ على ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي الحالية واستمرار تحسن المؤشرات الاقتصادية، فعلى مدار الفترة الماضية نجح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري في تحقيق العديد من المكتسبات وعلى رأسها رفع كفاءة مؤشرات الاقتصاد الكلي لمصر، وهو ما مهد الطريق لمواجهة اي تحديات واضطرابات اقتصادية قد تطرا نتيجة لعوامل خارجية بالأساس، حيث كان لمكتسبات برنامج الإصلاح بالغ الأثر في حماية الاقتصاد من التقلبات المفرطة والأزمات.

 

البنك المركزي استطاع بالعمل مع الحكومة والبنوك المصرية على مواجهة هذه الحالة الاستثنائية من خلال اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، وذلك لتوفير مستويات من السيولة المرتفعة لكافة الأطراف المتعاملة في الاقتصاد المصري سواء أفراد أو شركات، وذلك بخلاف دور السياسة التنموية والتي تضع على رأس أولوياتها نشر الرقمنة والشمول المالي لتمكين جميع الفئات المجتمع في المنظومة المصرفية.

 

وركز المركزي المصري منذ انطلاق الإصلاح الاقتصادي حتى الأن على دعم الاستقرار النقدي والمالي خاصة في مواجهة التضخم، حيث يعد التضخم الأن من أهم القضايا الاقتصادية محل اهتمام العالم اجمع، بالمقارنة بين عامي 2016 و2017 نجد أن البنك المركزي قام بارتفاع أسعار الفائدة كأحد أدوات برامج الإصلاح الاقتصادي وتم السيطرة على معدلات التضخم لتنخفض من 33% الى 3.5%، ومن جهة أخري حققت مصر معدلات مرتفعة من التنمية وانخفضت معدلات التضخم الى حوالي 7.5%.

 

بالرغم من أن كان هناك تحفظات على برامج الإصلاح الاقتصادي في بداية الأمر، ولكن حقق البرنامج نتائج طيبه فيما بعد، خاصة في ظل الازمات الحالية وهي ما جعلت البنك المركزي المصري من أفضل 10 بنوك مركزية في العالم خاصة خلال أزمة فيرس كورونا، وجعلت الاقتصاد المصري قادر حتى الأن على مواجهة التحديات والأزمات العالمية، وقدرة الدولة على توفير النقد الأجنبي واستيراد كافة السلع الأساسية التي يحتاجها المواطنين.

 

حقق برنامج الإصلاح الاقتصادي العديد من النتائج الجيدة للاقتصاد المصري والتي كان من أهمها استقرار جيد لتدفقات رؤوس الأموال، واصبح الاقتصاد المصري له مكانة كبيرة في أسواق المال الدولية الضخمة، ولكن الأزمات الحالية لم تكن مصر مستثناه من تداعيتها، حيث تعرضت اغلب الأسواق الناشئة الى خروج كبير من المستثمرين الدوليين، وارتفاع الضغوط الاقتصادية الناجمة عن التضخم، مما ادي الى قيام المركزي باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستباقية مثل استخدام جزء من الاحتياطي النقدي لدعم الأسواق وإصدار شهادات بفائدة 18% ثم 14%، وذلك للحفاظ على سلامة واستقرار السوق في مواجهة الاحداث المتصاعدة والتي كانت لأسباب ذات طابع خارجي.

 

وفيما يتعلق بالضغوط التضخمية، اتخذ المركزي خطوات سريعة لتهدئة ارتفاع الأسعار الناجم عن العوامل الخارجية مرة اخري، وذلك من خلال ارتفاع أسعار الفائدة، والتأكيد على أهمية مرونة سعر الصرف لتكون بمثابة أداة لامتصاص الصدمات والحفاظ على القدرة التنافسية لمصر، وساعد هذا الاجراء على زيادة قيمة الصادرات.

 

الجدول التالي يوضح تطور صادرات مصر غير البترولية خلال النصف الأول من عام 2022

القطاع 

القيمة ( بالمليار دولار )

معدل النمو %

الصناعات الكيماوية والاسمدة

4.3 

22%

مواد البناء 

3.6 

19%

الصناعات الغذائية 

2.1 

11%

الصناعات الهندسية 

1.8 

10%

الحاصلات الزراعية 

1.8 

10%

الملابس الجاهزة 

1.2 

7%

 

 

 وفيما يخص ميزان المدفوعات المصري خلال الفترة يوليو / مارس من السنة المالية 2021/2022 وبالرغم من الازمات العالمية التي نعيش فيها فقط حقق الميزان الخدمي فائض بنحو 4.8 مليار دولار كنتيجة أساسية لارتفاع إيرادات السياحة بنحو 5.1 مليار دولار، ارتفاع متحصلات النقل بمعدل 27.8%، ارتفاع فائض الميزان التجاري البترولي بنحو 4 مليار دولار، ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بمعدل 1.1%.

                       

الشكل التالي يوضح بعض مؤشرات القطاع المصرفي قبل وبعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي 

 

 

هذه المؤشرات تؤكد ان القطاع المصرفي المصري قادر على التعامل مع الازمات العالمية، ويدافع عن الاستقرار النقدي والمالي في السوق المصري، نحن الأن نبدأ مرحلة جديدة من برنامج الإصلاح الاقتصادي لوضع حلول جذرية لمشكلات اقتصادية، وتستهدف هذه المرحلة سياسات التنوع الاقتصادي، وتعزيز دور القطاع الخاص، وزيادة الوزن النسبي لقطاعات الصناعات التحويلية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وبالتالي لكي نتغلب على ارتفاع معدلات التضخم، ارتفاع أسعار الفائدة، انخفاض قيمة العملة، انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، زيادة التصدير، جذب استثمارات اجنبية، وزيادة النقد الاجنبي لابد من بداية مرحلة جديدة من برنامج الإصلاح الاقتصادي.