ما هي سيناريوهات الاحتياطي النقدي الأجنبي خلال عام 2025 ؟

هاني حافظ: استمرار التدفقات النقدية الدولارية من مصادرها تعزز الاحتياطي الاجنبي
إيمان سعيد: الحكومة مازالت تواجه مجموعة من التحديات الهيكلية أهمها فاتورة الاستيراد
رحب عدد من خبراء الاقتصاد والقطاع المصرفي بإعلان البنك المركزي عن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي ليقترب من 48 مليار دولار، معتبرين أن هذا امر جيد للغاية يعزز من قوة الاحتياطي الاجنبي ومواجهته للتحديات والصدمات المحتملة.
وأضافوا أن هناك عدة سيناريوهات محتملة أو متوقعة فيما يتعلق بمستقبل الاحتياطي النقدي، مشيرين إلى أن تلك السيناريوهات تتمثل في زيادة الاحتياطي والوصول به إلى 50 مليار دولار أو حدوث بعض التحديات العالمية التي قد يكون لها تأثيرات طفيفة عليه وأن يبقي كما هما محافظا على هذه المستويات الحالية.

قال الخبيرالمصرفي هاني حافظ، إن إعلان البنك المركزي المصري عن ارتفاع صافي الاحتياطيات الدولية ليصل إلى 47.757 مليار دولار بنهاية مارس 2025، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من خمس سنوات هو امر جيد للغاية، مما يفتح الباب لتحليل متوازن حول مستقبل هذا الاحتياطي في ضوء تحديات ومتغيرات الاقتصاد المحلي والعالمي، مشيرا إلى أن الاحتياطي الحالي 47.757 مليار دولار، بينما الواردات الشهرية تسجل ما يقرب من 7 مليار دولار، في حين أن الواردات السنوية تصل إلى أكثر من 70 مليار دولار، وأن غطاء الواردات بالاحتياطي أكثر من 6.8 شهور واردات وهو معدل مريح جدًا وفقًا للمعايير الدولية (3 أشهر فقط كحد أدنى مقبول).
وأضاف أن هناك عدة عوامل داعمة لصعود الاحتياطي والتي تتمثل في تدفقات تمويلية قوية حيث تلقت مصر في الأشهر الأخيرة شريحة من صندوق النقد الدولي، إلى جانب اتفاقات تمويلية واستثمارية مع الإمارات والسعودية، فضلا عن زيادة عوائد قطاع السياحة حيث بلغت الإيرادات السياحية لأكثر من 15 مليار دولار في 2024، ويتوقع زيادتها مع استقرار الأوضاع الأمنية والسياحية، كما أن تحويلات المصريين بالخارج شهدت عودة تدريجية للارتفاع بعد استقرار سوق الصرف ـ بخلاف تحسن أداء قناة السويس: بعد تجاوز آثار الأزمات الجيوسياسية مؤخرًا، وعادت الإيرادات إلى الارتفاع التدريجي، متجاوزة 9 مليار دولار في 2024.
وأضاف الخبير المصرفي أن هناك تحديات وضغوط متوقعة على الاحتياطي النقدي تتمثل في سداد ديون خارجية مرتفعة ومن المنتظر أن تسدد مصر قرابة 25 مليار دولار في 2025 من أقساط وفوائد الديون، فضلا عن الطلب على الدولار ومن المتوقع عودة الطلب القوي على الدولار مع تحرير تدريجي للواردات بعد فترات من القيود، وكذلك أسعار الفائدة العالمية لاسيما مع استمرار السياسة النقدية المتشددة في الولايات المتحدة والتي قد يزيد من تكلفة الاقتراض الخارجي، ويضغط على تدفقات الأسواق الناشئة، بخلاف الواردات الاستراتيجية حيث أن ارتفاع أسعار النفط والقمح قد يؤدي لزيادة الفاتورة الاستيرادية، مما يستهلك جزءًا من الاحتياطي.
وحدد الخبير المصرفي عدة سيناريوهات متوقعة فيما يتعلق بمستقبل الاحتياطي الأجنبي، الأول منه السيناريو الإيجابي لاسيما إذا نجحت الدولة في تنفيذ برنامج الطروحات، وزادت تدفقات الاستثمار الأجنبي، مع الحفاظ على سعر صرف مستقر، قد يصل الاحتياطي إلى حدود 50 – 52 مليار دولار بنهاية 2025.
أما السيناريو الثاني وهو السيناريو الحذر والذي يتمثل في تعرض التدفقات الأجنبية لأي اضطرابات، أو حدوث تقلبات عالمية (مثل أزمة في أسعار الغذاء أو الوقود)، فقد يتراجع الاحتياطي تدريجيًا ليبقى في حدود 45 – 47 مليار دولار، وهو ما يزال ضمن النطاق الآمن.
وأكد الخبير المصرفي أن مصر حاليًا في وضع مريح نسبيًا على صعيد احتياطاتها الأجنبية، لكنها تسير على حبل مشدود بين فرص زيادة التدفقات وتعقيدات الالتزامات الدولية، واستدامة هذا التحسن تعتمد على استقرار سياسي واقتصادي داخلي، وسرعة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وجذب رؤوس أموال طويلة الأجل بدلًا من الاعتماد على تدفقات قصيرة الأجل

وفي سياق متصل قالت الدكتورة إيمان سعيد، الخبيرة الاقتصادية إن البنك المركزى المصرى، قد أعلن عن ارتفاع صافى الاحتياطيات الأجنبية إلى 47.757 مليار دولار نهاية مارس الماضى، لافتة إلى أن الواقع الحالى يعكس تحسن رقميا وليس هيكليا رغم أن الرقم المعلن يعكس تحسنا ظاهرا، فإن نظرة أعمق تكشف أن الزيادة فى الاحتياطى مرتبطة بعدة عوامل مؤقتة داعمة لزيادة الاحتياطى منها دخول شرائح جديدة من اتفاقات تمويل دولى (صندوق النقد - صفقة رأس الحكمة)، أيضا تحسن مؤقت فى إيرادات السياحة وقناة السويس والتحويلات، الى جانب تحرك الحكومة نحو تحرير سعر الصرف مع ارتفاع الفائدة المحلية الذى شجع على دخول استثمارات ساخنة، وساهم فى جذب الدولار من السوق الموازية، لكنها لا تمثل مصادر مستدامة للنقد الأجنبى.
وأضافت أن الحكومة مازالت تواجه مجموعة من التحديات الهيكلية أمام الاستقرار والتى من أهمها فاتورة الاستيراد الضخمة حيث تحتاج مصر إلى أكثر من 70 مليار دولار سنويا لتلبية الطلب الاستهلاكى والإنتاجى ما يضغط باستمرار على الاحتياطى، أيضا تحديات خدمة الدين الخارجى فتواجه مصرأقساط وفوائد مستحقة بشكل دورى تلتهم جزءا كبيرا من أى زيادة فى الاحتياطى، بالاضافة الى الاعتماد على مصادر غير مستدامة مثل الاستثمارات الساخنة أو المعونات، والتى تتأثر بأى توترات خارجية أو قرارات مفاجئة، أيضا ضعف الصادرات غير البترولية حيث لم تنجح مصر حتى الان فى توفير بديل قوى للعملة الأجنبية، بالاضافة إلى استمرار التضخم العالمى والمحلى يضغط على الجنيه، ويزيد الطلب على الدولار.
وأشارت الخبيرة الاقتصادية أن أمام هذه التحديات تجد الحكومة نفسها أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة:
- السيناريو الإيجابى المتفائل يتمثل فى تجاوز الاحتياطى حاجز 50 مليار دولار بنهاية 2025 ويكون فى شكل استمرار تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، تحسن الصادرات، انخفاض تدريجى فى الاستيراد بعد إحلال منتجات محلية، نمو واضح فى عائدات التصدير والخدمات الدولارية، مع استقرار سياسى واقتصادى.
- السيناريو الواقعى الاقرب ويكون فى الحفاظ على الاحتياطى قرب مستواه الحالى بين 45 إلى 48 مليار دولار وذلك من خلال استقرار نسبى مع بعض التقلبات فى السوق العالمى، استمرار الاعتماد على التمويل الخارجى لتلبية الفجوة الدولارية وضغوط على العملة من حين لآخر.
- السيناريو السلبى أو المتشأم تآكل تدريجى للاحتياطى مما يعيد سيناريو 2016 ويكون فى شكل تراجع الاستثمارات، ضعف السياحة أو الصادرات أو تحويلات العاملين بالخارج، أيضا خروج استثمارات أجنبية من أدوات الدين، تجدد الضغط على الجنيه، وعودة اختلال ميزان المدفوعات والسوق السوداء.
وطرحت الخبيرة الاقتصادية سؤالا حول إمكانية أن يتحول هذا الارتفاع فى الاحتياطى إلى نقطة انطلاق لإصلاح هيكلى شامل؟، حيث قالت نعم التحول يبدأ من الداخل لذلك لابد أن تخطو الدولة خطوات ضرورية لحماية الاحتياطى منها تحفيز الإنتاج المحلى وتوفير بدائل للسلع المستوردة تحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات طويلة الأجل بدلا من الاعتماد على أدوات الدين وتحقيق التوازن فى التجارة الخارجية عبر دعم الصادرات بآليات واقعية ضبط أولويات الاستيراد وحصره فى السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج وتشجيع التصدير بخطط واقعية وحوافز مباشرة للمنتجين
وأكدت أن الاحتياطى الحالى يمنح قدرا من الأمان المؤقت، لكنه لا يكفى بمفرده لضمان استقرار اقتصادى دائم ما تحتاجه مصر ليس فقط ارتفاعا فى الأرقام، بل تحولا جذريا فى مصادر النقد الأجنبى، قائما على الإنتاج، لا الاقتراض، مصر تحتاج إلى سياسة نقدية ومالية متكاملة تحول مواردها من مؤقتة إلى دائمة، المعادلة واضحة: كل دولار جديد يدخل مصر يجب أن يكون نتاج إنتاج لا قروض.