تحليلات ومقالات

الدكتور محمد فتحي يكتب.. من الذكاء التوليدي إلى الذكاء الوكيلي: نقلة نوعية في علاقة الإنسان بالآلة

الدكتور محمد فتحي
الدكتور محمد فتحي

شهد العالم خلال السنوات الأخيرة صعودًا هائلًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكان أبرزها الذكاء التوليدي (Generative AI)، الذي أثار الإعجاب بقدرته على إنتاج محتوى أصلي من نصوص وصور وأكواد. لكنه رغم هذا الزخم، لا يمثل إلا بداية مسار أعمق وأكثر تعقيدًا، يتمثل في ما يُعرف بـ “الذكاء الاصطناعي الوكيلي” (Agentic AI).

الذكاء الوكيلي لا يقتصر على إنتاج مخرجات عند الطلب، بل يُحدث تحولًا جوهريًا في نمط العلاقة بين الإنسان والآلة، إذ تصبح الآلة قادرة على التصرف، التكيّف، واتخاذ القرار بشكل مستقل نسبيًا، بناءً على هدف عام يُحدد لها.

الذكاء التوليدي: أداء مبهر في إطار محدود

الذكاء التوليدي يعتمد على نماذج لغوية أو بصرية ضخمة، درّبتها الشركات على كميات هائلة من البيانات. وعند تقديم “طلب” من المستخدم، يقوم النموذج بإنشاء مخرجات تناسب هذا الطلب، سواء كانت إجابة على سؤال، أو مقالًا، أو رسمًا فنيًا، أو شفرة برمجية.

لكن جوهر الذكاء التوليدي يظل تفاعليًا واستجابيًا. لا يبدأ المهمة من تلقاء نفسه، ولا يغيّر في مسارها بدون أمر واضح. هو أداة متقدمة، لكنها تنتظر دائمًا من يوجّهها.

الذكاء الوكيلي: كيان رقمي يقرر ويتصرف

على النقيض، الذكاء الاصطناعي الوكيلي يهدف إلى محاكاة السلوك الاستباقي للبشر. يمكن تزويده بهدف عام مثل “أجرِ تحليلًا شاملًا لتقارير الأداء”، ثم يقوم هو بتحديد المهام الفرعية، البحث عن البيانات، التحقق منها، تحليلها، تقديم النتائج، وربما اتخاذ قرارات على أساسها. كل ذلك قد يتم دون الرجوع إلى المستخدم في كل خطوة.

ما يميز هذا النموذج هو أنه يدمج بين الفهم والسياق والتخطيط والتنفيذ، ويملك قدرة على التكيّف المستمر، والتعلّم من النتائج. وبذلك يتحول من مجرد مساعد، إلى ما يشبه “زميل رقمي” أو “شريك في اتخاذ القرار”.

ما الذي يجعل Agentic AI مختلفًا حقًا؟

أهم ما يميز الذكاء الوكيلي هو درجة الاستقلالية. فبدلًا من مجرد تنفيذ مهمة واحدة، يصبح قادرًا على تنفيذ سلسلة من المهام بشكل متتابع، بناءً على تحليل السياق والمعلومات.

كما أن قراراته لا تكون دائمًا مبنية على أوامر مباشرة، بل على “نية المستخدم” وأهدافه النهائية.

وهنا تكمن القوة… والخطر.

التحديات: من التقنية إلى الأخلاق

مع كل قفزة تقنية، تأتي مسؤولية مضاعفة. فإذا كان الذكاء التوليدي يثير مخاوف تتعلق بالمعلومات المضللة أو انتهاك الخصوصية، فإن الذكاء الوكيلي يفتح الباب أمام أسئلة أكثر حساسية:

 

•       من يملك حق مراجعة قرارات يتخذها وكيل رقمي بالنيابة عن البشر؟

•       هل يمكن تتبع خطوات القرار؟

•       ما هي حدود التفويض؟

•       هل نملك ضوابط رقابية كافية؟

•       وهل الأنظمة التشريعية مستعدة لهذه المرحلة؟

هذه الأسئلة ليست نظرية، بل تمثل أساس النقاش العالمي في حوكمة الذكاء الاصطناعي. ومع تزايد الاعتماد على أنظمة تتصرف “من تلقاء نفسها”، يصبح من الضروري تصميم أطر حوكمة مرنة، شفافة، قابلة للتطوير، ومبنية على مبادئ أخلاقية واضحة.

الخلاصة: هل نحن مستعدون لنفوض الذكاء بالقرار؟

الذكاء الوكيلي لا يُعد امتدادًا بسيطًا للتوليدي، بل يشكل نقلة فلسفية ومؤسسية. فهو يغيّر منطق التشغيل، ومنطق اتخاذ القرار، ومنطق المساءلة.

وإذا كان الذكاء التوليدي قد أدهشنا بما يستطيع أن يُنتج، فإن الذكاء الوكيلي سيفاجئنا بما يستطيع أن يُقرر.

لكن تبقى الحقيقة الأهم:

الثقة بالذكاء الاصطناعي لا تأتي من قدرته، بل من قدرتنا نحن على ضبطه.

 هل تعتقد أن أنظمتنا المهنية والتنظيمية جاهزة لهذا التحول؟

هل ترى أن للذكاء الاصطناعي حق اتخاذ القرار، أم يجب أن يبقى في نطاق التنفيذ فقط؟